لماذا لا نقضي ببساطة على كل البعوض الموجود على الكوكب؟

إذا كان البعوض بهذه الخطورة، لماذا لا نقضي على كل البعوض الموجود على سطح الأرض؟

من الصعب أن تدافع عن كائنات ماصة للدماء، وناقلة للأمراض حتى وإن كنت من محبي الطبيعة، أليس كذلك؟!
وما زاد الطين بلة هو الاتهامات الأخيرة للناموس أنه الناقل الأساسي لفيروس «زيكا» الذي ينتشر في الأميركتين كالنار في الهشيم. ينتقل الفيروس عن طريق بعوض يدعى «الزاعجة المصرية» نوع من أنواع البعوض الذي يعرَف عنه نقل أنواع أخرى من الأمراض كحمى الصفراء، وحمى الضنك.

بعوضة أثناء مص الدماء من الجلد، ويظهر في الصورة خرطوم البعوضة أثناء اختراقه أحد الشعيرات الدموية ومص الدم منها

هناك حوالي 3,500 نوع من البعوض، وهذا رقم متواضع بالنسبة لعائلة من الحشرات، على الرغم من ذلك إلا أن تأثيرهم على صحة الإنسان ورفاهيته كارثي. فنجد «بعوضة الأنوفيلة» تحمل الطفيل المسبب لأكثر من 214 مليون حالة ملاريا سنويًا، و«بعوضة النمر الأسيوي» التي تنقل حمى الضنك، وداء شيكونغونيا.

الزاعجة المصرية الناقلة لفيروس زيكا

البعوض كان عامل أساسي في انتشار فيروسات أخرى، كفيروس غرب النيل، والآن فيروس زيكا.

قد نال البعوض لقب أكثر كائن تسبب في القضاء على أكبر عدد من البشر (بعد استثناء انفسنا من تلك الحسبة بالطبع).

البعوض من المخلوقات البغيضة، لا تفوق بركة أو مستنقع إلا ووضعت يرقاتها عليه، وإذا توافت الظروف المناسبة، ستجدهم يتكاثرون بداخل منزلك أيضًا.

صورة ليرقات البعوض

الآن هيا بنا نطرح بعض الأسئلة التي قفزت إلى ذهنك: بعد كل ذلك، ما الذي يفعله البعوض إذًا؟ وماذا يمكن أن يحدث إذا قمنا بقتل كل البعوض الموجود على سطح الأرض؟!

لنجعل المختصين أن يجيبوك عن ذلك، كما أشارت العالمة البيئية «سارة فانج»، فإن الإجماع يقول إنه ليس للبعوض أي فائدة بيئية محددة يمكن أن تسبب ضررًا. لكن إذا قمت بالحكم عليهم من وجهة نظر العالم البيئي «تشارليز إلتون» فإن رأيه أكثر رفقًا بهم، ويميل إلى أن الكائنات الحية في التوازن البيئي فائدتها كالبنيان المرصوص، لكل كائن حي دورًا صغيرًا في النظام البيئي، حتى وإن لم يكون ذلك الدور واضحًا بما يكفي.

حسنًا، يبدو أن البعوض لا يوجد له دورًا بارزًا، هل هذا يعني أننا لن نفتقدهم، متأكد؟

الحجج المؤيدة لضرورة استمرار وجود البعوض منقسمة إلى قسمين رئيسيين.

الحجة الأولى:

أن أعدادهم المهولة تمثل حلقة أساسية في بعض الشبكات الغذائية، لا سيما في منطقة التندرا وهو اسم يطلق على الصحاري الباردة الموجودة في شمال الكرة الأرضية، حيث أن في بعض الأسابيع المحدودة في الصيف، يفقس بيض البعوض بكميات مهولة لدرجة أنك يمكنك أن ترى سحبًا من البعوض تطير في السماء، وهو ما يشكل مصدرًا وفيرًا من الغذاء للطيور المهاجرة التي تأتي إلى الشمال خصيصًا لاستغلال هذه الثروة الغذائية.

سحبًا من البعوض في سماء بلاروسيا

يمكن أن تتسبب شراسة هجمات البعوض في تحويل خطوط الهجرة الخاصة بالوعل، مع عواقب محتملة في تغيير أماكن الرعي.

وفي دراسة أخرى عن علاقة البعوض بمفترسيهم الطبيعيين، وجد أن نوع من أنواع الخفافيش الصغيرة يدعى «Vespadelus Vultuernus»، موجود في شرق أستراليا، قد أظهر اعتمادية شديدة في غذائه على البعوض البالغ من نوع «Aedes Vigilax».  لذلك، يمكن للمدافعين عن حقوق البعوض في البقاء أن يحتجوا بهذا النوع من خفافيش الغابات.

البعوض من نوع «Juvenile» له دورًا مهمًا أيضًا في الشبكة الغذائية المائية، فهو يقع ضمن الفرائس الأساسية لأسماك «mosquito fish» و «Gambusia affinis».

سمكة البعوض

كما نجده في البرك المائية الصغيرة، أو في ظلال الغابات، وبالحديث عن الغابات المطيرة فإن بعض أنواع الضفادع السامة الواثبة والسرطانات تزدهر وتتغذى على أجسام البعوض من نوع «Juvenile» الساقطة في البرك المائية الصغيرة المتكونة داخل نوع من النباتات يدعى «Phytotelmata».

Bromeliad Phytotelmata original painting by: William H. Bond as published in National Geographic 1975 147(3):393 used with permission of National Geographic

على الرغم من التأييد الواسع وحب علماء البيئة للضفادع والخفافيش لمعرفتهم أهميتهم في النظام البيئي وحفظهم توازن الشبكات الغذائية، إلا أن ذلك لن يزيح رأي عموم الشعب عن رأيهم في البعوض.

الحجة الثانية:

تعتمد الحجة الثانية على أن البعوض يلعب دورًا عامًا في حفظ التوازن البيئي، حيث أن صغار البعوض يقتاتون على جسيمات عضوية الميتة، وذلك يعتبر دورًا فعالًا في عملية التحلل، وتلقيح النباتات. لكن على الرغم من أن البعوض يمكن أن تكون بمثابة ملقحات طبيعية لبساتين الفاكهة، وزهرات الأوركيد، ونباتات القضبان الذهبية، والعديد من النباتات الأخرى التي لا تستطيع أن تتكاثر ذاتيًا- إلا أنها ليست فقط من يقوم بهذا الدور، حيث أنه يوجد الكثير من الملقحات الأخرى لتأخذ مكانها.
في حين أن اضمحلال أعداد النحل بدأ يدق ناقوس الخطر في التوازن البيئي لما لهم من دورٍ رئيسي في عملية التلقيح، إلا أننا نجد في البعوض هو وآخرون بديلًا للعب نفس العملية.

ولكن مرة أخرى

كما جاء في كتاب «Ecological Imperialism-الإمبريالية البيئية» على لسان الرحالة البرتغالي «João de Barras»:

عيَّن الإله ملائكة بسيوف مشتعلة من الحمى القاتلة، تمنعنا من اقتحام ينابيع هذه الحديقة.”

يبدو أنه ليس هناك سببًا كبيرًا لكي ندافع عن البعوض. فتدميرهم قد يرفع بلاءً عظيمًا عن البشرية.

لكن باستثناء كل ذلك الشك المزعج حول الموضوع، فهناك عديد من الكائنات الأخرى الماصة للدماء التي تنتظر فرصتها لكي تظهر على الساحة هي الأخرى، كالبراغيث، والهاموش، والعث، والذباب الأسود. احذر ما تتمنى.


كتب هذا المقال من قبل مايك جيفريز من جامعة نورثمبريا في نيوكاسل، ونشرت في The Conversation

Leave a Comment